“شفشاون”… لؤلؤة المغرب الزرقاء
في شمال المغرب تقع مدينة “شفشاون”، أو “اللؤلؤة الزرقاء” كما يُطلق عليها أهل البلاد، والتي تتميز بتاريخها العريق، وبنائها الهندسي الرائع، حيث يسر الناظر بمبانيها وجدرانها ذات اللون الأزرق والأبيض، وكذلك شوارعها وأزقتها الضيقة وأدراجها الملتوية، جدرانها ومنازلها، أبوابها ونوافذها، وحتى صناديق القمامة وأعمدة الإنارة، التي تمتد لمساحة تبلغ ما يقرب من 4.20كم²، وهي الرقعة التي تحتلها المدينة التي أصبحت من أهم مناطق الجذب السياحيّ في المغرب والعالم بعد أن احتلت المركز السادس ضمن أكثر مدن العالم جمالاً.
تقول بعض الحكايات، إن لون المدينة الأزرق يعود إلى أن الأندلسيين والموريسكيين الذين نزحوا إليها من الأندلس -بعد تعرضهم للتطهير الديني والعرقي ضد غير المسيحيين- أرادوا أن يكون هذا اللون رمزاً للسلام والتسامح، هكذاساهموا في لقبها الحالي “اللؤلؤة الزرقاء”.
تقع المدينة، التي تُعرف كذلك باسم “آشاون”، على سلسة جبال الريف في أقصى شمال المغرب، على سفح جبل “تسملال” الذي يقع على ضفة نهر شفشاون اليمنى، ويحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب إقليم وزان، وتاونات، ومن الشرق إقليم الحسيمة، كما يحدها من الغرب إقليم تطوان، والعرائش؛ وتتميز بتضاريسها الجبلية الصعبة ذات الانحدارات المفاجئة، والأودية المنخفضة جداً، بالإضافة إلى العديد من الانكسارات؛ في الوقت نفسه فإن مناخ المدينة معتدل، حيث تسقط الأمطار على المناطق الجنوبية، والمرتفعة، والساحلية منها في فصل الشتاء، إلا أن كمية الأمطار تختلف من إقليم إلى آخر، أما صيفها فيتميز باعتداله في مختلف الأقاليم.
تشتهر المدينة أيضاً بهدوئها وبطيبة أهلها المُتشبثون بطبيعتهم الجبلية الأصيلة، فالأزقة الجبلية المتفرعة في جميع أنحاء المدينة الصغيرة لا تخلو من النساء الجبليات اللواتي يرتدين الزي الجبلي التقليدي الخاص بالمنطقة، وهو عبارة عن قبعة تقليدية واسعة من القش مزيّنة بالألوان، وثوب أبيض مخطط بالأحمر يتم لفه حول الخصر، وآخر ملون يوضع فوق الأكتاف؛ أمّا أزياء الرجال فيعتمدون جلباباً صوفياً بصنع يدوي مع قبعة تعتبر أساسية بالنسبة لأي جبلي، وعادة ما يعرضون سلعاً محلية الصنع في الأزقة لكل راغب في تجربة وجبات عضوية بنكهة جبلية، أو إكسسوارات فضية أو من الطين وغيرها.
ولا يحتاج زائر شفشاون سوى ببعض اللياقة البدنية التي تُمكنه من التجول في الأزقة صعوداً وهبوطاً، بسبب طابع المدينة الجبلي؛ هكذا يسشتطيع التمتع بالمعمار الأندلسي، مثل سقايات الماء العذب القادمة من أعماق الجبال، الُمزيّنة على الطريقة الأندلسية بالفسيفساء المغربي. عندما يتجول الزائر كذلك بين زقاق وآخر سيُصادف ورشة للتشكيل جعلها فنانون تشكيليون ملجأ يُنفسون فيه عن فنهم، ليجعلوا من جدران البيوت القديمة لوحات تزيدها جمالاً وتميزاً.
أمّا الأحياء العتيقة بالمدينة، فأول ما يُمكن لك أن تزوره “حي السويقة”، وهو أحد أقدم الأحياء في المدينة، حيث يضم العديد من البيوت القديمة ذات اللون الأبيض الممزوج بالأزرق، وسُميت بهذا الاسم لاحتوائها على قيسارية بنيت أواخر القرن الخامس عشر للميلاد. حي الأندلس، وهو الحي الذي بني للفوج الثاني من المهاجرين الأندلسيين، ويُشبه تصميمه حي السويقة، إلا أنّه يختلف عنه في بناء المنازل على شكل طوابق. من هناك يُمكن الذهاب إلى “حي العنصر” الواقع شمال غرب سور المدينة، ويختلف عن الأحياء الأخرى في أنّ برج المراقبة الذي يتوسطه يتميز بترميمه العصري.
وفي الطريق إلى منبع رأس الماء” -وهو أساس بناء المدينة والمنبع الوحيد الذي يُزودها بمياه الشرب وري المحاصيل- يجب المرور بـ”حي الصبانين” الذي يتميز باحتوائه على العديد من الطواحين التي استخدمت في القدم لطحن الزيتون، بالإضافة إلى وجود فرن تقليدي فيها. مع نهايته يأتي “رأس الماء”، حيث يصب منبع من داخل الجبل على شكل شلال تتوسطه ساحة واسعة يمر منها الماء -وهو ملاذ رائع للاستراحة من مشقة المشي- وتحيط به أشجار التين والكرز والزيتون؛ وليس بعيداً عن رأس الماء يوجد جسر تعرض فيه النساء والرجال منتجات محلية الصنع، عبارة عن لوحات لرسامين محليين أو أزياء محلية، فضلاً عن إكسسوارات صغيرة للذكرى تصور المدينة بأشكال مختلفة.
من أبرز معالم المدينة كذلك “القصبة” التي تتميز ببنائها الأندلسي، حيث يحيط بها سور عالٍ تتوسطه عشرة أبراج شيدت على النمط الأندلسي، وهي النواة الأولى للمدينة ومركزها الثقافي والفني؛ وقد كانت في السابق مقراً لإدارة السجن والجيش والمخزن، بينما هي اليوم فضاء لعرض منتجات الحرف التقليدية والحلي والخزف، وتضم حديقتها الكبيرة المزينة بحوضين كبيرين على النمط الأندلسي متحف إثنوغرافي يعرض لوحات من تاريخ المدينة ولمحات من طريقة عيش سكانها عبر التاريخ.
أمّا المعلم الأشهر فهو “ساحة وطاء الحمام”، وهي ساحة عمومية تقع داخل المدينة العتيقة، وتعتبر المنطقة الجاذبة للسائحين؛ نظراً لإمكانية وصولها من مختلف الطرق؛ حيث صُممت في البداية بهدف فتح سوق أسبوعي فيها، إلا أنها وأصبحت تحتوي على العديد من المقاهي، والمطاعم، كما أنها تحتوي على نافورة مياه رائعة الشكل، وفيها المسجد الأعظم. وسميت الساحة بهذا الاسم لأنها كانت قديماً مخصصة لمحال ومخازن حبوب الزرع، وبسبب ذلك كان يتخذ الحمام من الساحة موطناً له لالتقاط الحبوب. وتعد الساحة المكان الوحيد المنبسط وسط المدينة.