قصر‭ ‬الحجر‭ ‬بصنعاء أعجوبة‭ ‬الدنيا‭ ‬المنسية

قصر‭ ‬الحجر‭ ‬بصنعاء أعجوبة‭ ‬الدنيا‭ ‬المنسية

Loading

مثل ملك عظيم لا تهزه نوائب الدهر ولا صروف الليالي وتقادم الأيام يقف شامخا على رأس تلك الصخرة العظيمة وكأنه شاهد على تقلبات الزمن من حوله.

انه قصر الحجر أو دار الحجر بمنطقة وادي ظهر في الضواحي الشمالية الغربية للعاصمة اليمنية صنعاء والذي يبقى واحدا من عجائب وفنون العمارة اليمنية عبر العصور.

هذه التحفة المعمارية الفريدة يعتبرها بعض المهتمين  أعجوبة الدنيا الثامنة ومنهم من يرى فيها أيقونة حية من الجمال الإنساني الذي لايبلى.

بُنيت هذه الدار ذات الهندسة العمرانية البديعة منذ أزمنة غابرة واتخذها حكام اليمن المتعاقبون مقرا رئيسيا لهم بالنظر إلى موقعها الجغرافي المتميز بعيدا عن ضجيج المدينة وبما تتميز بها الطبيعة الزراعية من حولها من مناظر خلابة تسر الخاطر لكن هذه الخصوصية لم تعد كسابق عهدها فالزحف العمراني الآخذ الاتساع بات على مقربة منها وماكان في الماضي يبعد عنها بنحو 15كيلو مترا أصبح على بعد مرمى حجر وقد لايطول الزمن كثيرا حتى يبيت هذا المعلم السياحي الشهير في وسط أبنية وشوارع العاصمة المترامية الأطراف.

تاريخ تليد

أخذت هذه الدار الأثرية والتي باتت حاليا متحفا يؤمه السياح من اليمنيين القادمين من مختلف أنحاء اليمن كما كان خلال السنوات الماضية وقبل الأحداث الأمنية الصاخبة التي عصفت بالبلاد احد أهم مقاصد السائحون الأجانب أخذت تسميتها من حجر الجرانيت الضخمة التي بُنيت عليها وتتعد الروايات حول  تاريخ بناء قصر الحجر لكن اغلب تلك الروايات تعيد تاريخ تأسيس هذا الصرح المعماري العجيب  إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي 

ويقول المؤرخون بان الإمام المنصور على بن العباس الذي حكم اليمن خلال الفترة من (1736-1798)ميلادية اصدر في تلك الفترة أوامره لوزيره علي بن صالح العماري الذي اشتهر بالهندسة المعمارية والفلك، والشعر والأدب  لبناء قصر في وادي ظهر ليكون قصرا صيفيا له. ويروي المؤرخون انه بني على أنقاض قصر سبئي قديم كان يعرف بحصن ذي سيدان الذي بناه الحميريون عام 3000 قبل الميلاد  

ورغم تأكيدات هذه المصادر بان الدار بُنيت في هذا التاريخ إلا أن باحثين ومؤرخين كُثر لايزالون يؤكدون بان البناء والتأسيس لهذا القصر كان قبل ذلك بكثير ..ويقول الباحث والمؤرخ اليمني عبدالجبار نعمان بان الشواهد الموجودة ضمن مكونات البناء القائمة إلى اليوم ومنها تلك الغرف المخصصة لتحنيط موميات تشير بوضوح إلى قدم البناء وربما كان متزامنا مع حضارة الفراعنة في مصر.

وتوضح المصادر التاريخية بان هذا القصر العظيم تعرض للهدم لمرات عديدة في عصور مختلفة  لكنه كان بالمقابل يتم إعادة بنائه وترميمه باستمرار ..وتشير هذه المصادر إلى أن المرة الأخيرة التي تعرض فيها للهدم والتدمير كان قبل أكثر من 400عام على يد الأتراك إبان حكمهم لليمن ومنهم من يؤكد بان مااصاب القصر من هدم كان بسبب الأمطار الغزيرة وان الأتراك خلال غزوهم الأول لليمن استطاب لهم المقام فيه واتخذوه مقرا صيفيا لسلاطينهم لكن وأيا تكن الأسباب التي أدت إلى تهدمه فقد اُعيد ترميمه في بداية القرن العشرين على يد الإمام يحيى حميد الدين بعد أن توارثه عدد من الملوك اليمنيين.  

بناء هندسي متفرد

لعل السائح أو الزائر لهذا القصر يخالجه شعور عابر من أول نظرة على دار الحجر وربما يخالجه إحساس بأنه بناء عادي يوجد الكثير من أمثاله في مناطق شتى من البلاد التي اشتهر أبناؤها ببناء المنازل على قمم الجبال وانه ليس أكثر من غرف تقبع على صخرة ضخمة لكن ذلك الإحساس سرعان مايتلاشى بمجرد الاقتراب من المبنى ومباشرة الدخول إلى مكوناته الغريبة وخاصة عند مشاهدة تلك البئر العميقة التي تتوسط الصخرة حيث تتملكك الدهشة والحيرة عن كيفية تنفيذ عملية الحفر.

وتتعد الروايات والتحليلات عن طريقة حفر بئر دار الحجر ومنها مايمكن أن يُصنف في خانة الخرافات والأساطير إذ تقول هذه الأسطورة المتداولة بين كثير من اليمنيين وخاصة البسطاء منهم بان اليمنيين القدامى  قد بلغوا مبلغا كبيرا في علم النجوم والأفلاك ولقد تمكنوا عبر النجوم من تحديد يوم يأتي كل بضع سنين تلين فيه الحجر وتصير صلابتها إلى ليونة التربة السهلة وأنهم قد قاموا بحفر البئر في هذا اليوم.

الهندسة المعمارية التي اُعتمدت في بناء دار الحجر تظهره  وكأنه نبت من الصخور وصار يتربع على قمتها مثل عرش عظيم .

ويتألف المبنى من سبعة طوابق  مبنية على الطراز المعماري الفريد الذي يميز العمارة اليمنية التقليدية  ويضم الكثير من الغرف والعديد من السلالم الكبيرة والصغيرة التي  على شكل دائري، وفيه مطبخ وغرف لتخزين المواد الغذائية وغرف للنساء وقاعات للاجتماعات خصصت للشخصيات المهمة وظل مقرا محببا  للقاء ملوك ورؤساء الدول والوفود الدبلوماسية أثناء حكم الأئمة في اليمن خلال الفترة من 1926الى العام 1962م

كما يتضمن البناء عل  نظام لتبريد مياه الشرب باستخدام الأواني الفخارية.

وللقصر مخارج عديدة تؤدي إلى الشارع ويستمتع الزوار بالمشي حول القصر لتأمل الهندسة المعمارية اليمنية المذهلة.

وتبدو الأدوار السبعة التي تشكل قصر الحجر متناسقة بتصميمها مع التكوين الطبيعي للصخرة (أساس البنيان) وعند بوابته توجد شجرة (الطالوقة) المعمرة التي يقدر عمرها ب 700 عام.

ويتم الدخول إلى الدار عبر ممر واسع مرصوف بأحجار ضخمة توصل إلى استراحة، ويقع المفرج على الجهة الشمالية ويطل على حوض مائي دائري مبني من حجر الحبش الأسود.

وضع لايسر

هذا المعلم الأثري والسياحي الهام أصبح في ظل الظروف الأمنية المؤسفة التي تعيشها البلاد  مقفرا من زائريه ولم يعد يؤمه إلا بعض ساكني العاصمة صنعاء وخلال مواسم الأعياد الدينية بعد أن كان مقصدا لآلاف من السياح المحليين والأجانب فيما مضى لكن المؤكد بان هذا الصرح المعماري الفريد سيبقى صامدا أمام كل عوامل الزمن وسرعان ماستتلاشى المؤثرات من حوله ليمضي هو في شموخه وكبريائه المتطاول عبر الأزمان.