المسجد النبوى الشريف حكاية مسجد أسس على التقوى
يعد المسجد النبوي في المدينة المنورة ثاني أقدس المواقع الدينية الإسلامية على الإطلاق، وكان إمامه الأول النبي محمد شخصيا. وكان المسجد النبوي أول صرح تصله الطاقة الكهربائية في الجزيرة العربية، وذلك في عام 1909،
أسس النبي محمد المسجد في السنة الأولى للهجرة. وكان المسجد النبوي ثاني المساجد التي تبنى في المدينة – التي كان تعرف بيثرب قبل الهجرة.
و الصلاة في المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة تقام في أي مسجد آخر، عدا المسجد الحرام.يحتوي المسجد في وضعه الحالي، بعد قرون من التوسعات، على قبر النبي محمد وقبري الخليفتين أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب، كما يحتوي على منازل زوجات النبي، علاوة على الروضة.
وورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة قوله إن النبي محمد قال “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”.
شيّد المسجد في عام 632 ميلادية، جوار مسكن النبي محمد – أي قبل 1441 سنة – ولكنه خضع للعديد من التجديدات والتوسعات منذ ذلك الحين. وكان أكبر تلك التجديدات قد تم على يد الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزبز، وما زالت مستمرة إلى اليوم.
ويعتقد بأنه في حال إتمام التوسيعات الجارية حاليا، يمكن للمسجد – الذي يؤمه الملايين من الزائرين سنويا – استيعاب نحو 1,8 مليون مصل في الوقت الواحد.
تاريخ المسجد النبوي
أسس النبي المسجد النبوي في ربيع الأول من العام الأول من هجرته، وكان طوله سبعين ذراعًا، وعرضه ستين ذراعًا، أي ما يقارب 35 مترًا طولاً، و30 عرضًا، جعل أساسه من الحجارة والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وكان النبي يبني معهم اللَّبِن والحجارة، وجعل له ثلاثة أبواب، وسقفه من الجريد.
روى البخاري قصة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن النبي: أَمَرَ ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا، فقال: “يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا”. فقالوا: لا واللَّه، لا نطلب ثمنه إلَّا إلى اللَّه. قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خربٌ، وكان فيه نخلٌ، فأمر رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بقبور المشركين فَنُبِشَتْ، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قال: فصفُّوا النَّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارةً، قال: قال جعلوا ينقلون ذاك الصَّخر وهم يرتجزون، ورسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم معهم، يقولون: “اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ”(1).
ولما ازدحم المسجد وكثر المسلمون قام النبي بتوسيعه؛ وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعًا وفي عرضه كذلك، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي صلى الله عليه وسلم(2).
ومسجد النبي هو المسجد الذي أسس على التقوى كما في صحيح مسلم(3)، وفيه قال النبي: “صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ”(4). وفيه أيضًا قال النبي: “مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ”(5).
منبر النبي
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي”(6). قوله: “على حوضي”: أي أنه يعاد هذا المنبر على حاله وينصب على حوضه.
وكان النبي يخطب أولاً إلى جذع نخلة ثم صنع له المنبر فصار يخطب عليه، روى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: “إِنْ شِئْتُمْ”. فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: “كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا”(7). وأقيم بعد الجذع ماكنه أسطوانة تعرف بالأسطوانة المخلقة أي: المطيبة.
ولحرمة هذا المنبر جعل النبي إثم من حلف عنده -كاذبًا- عظيمًا، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: “لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ، عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ، وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ”(8).
الروضة الشريفة
هي موضع في المسجد النبوي الشريف واقع بين المنبر وحجرة النبي، ومن فضلها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: “مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي”(9). وذرعها من المنبر إلى الحجرة 53 ذراعًا، أي حوالي 26 مترًا ونصف متر.
الصُّفَّة
بعدما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة أمرالنبي بعمل سقف على الحائط الشمالي الذي صار مؤخر المسجد، وقد أعد هذا المكان لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وإليه ينسب أهل الصفة رضي الله عنهم.
الحجرة
هي حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، دُفِن فيها النبي بعد وفاته، ثم دفن فيها بعد ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة 13 هـ، وكان رضي الله عنه قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رسول الله؛ فلما توفي حفر له وجعل رأسه عند كتفي رسول الله(10). ودفن فيها بعدهما عمر رضي الله عنه سنة 24 هـ إلى جانب الصديق، وكان قد استأذن عائشة في ذلك فأذنت له(11).
صفة القبور هي كالتالي
قبر النبي في جهة القبلة مقدمًا، يليه خلفه قبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورأسه عند منكب النبي، ويليه خلفه قبر عمر الفاروق رضي الله عنه، ورأسه عند منكب الصديق، كانت الحجرة الشريفة من جريد مستورة بمسوح الشعر، ثم بنى عمر بن الخطاب حائطًا قصيرًا، ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك(12)، أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة بأحجار سوداء بعدما سقط عليهم الحائط، فبدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه(13). ثم جُدد جدار الحجرة الشريفة في عهد قايتباي (881هـ).
الحائط المُخَمَّس
هو جدار مرتفع عن الأرض بنحو 13 ذراعًا؛ أي ستة أمتار ونصف، بناه عمر بن عبد العزيز سنة 91 هـ حول الحجرة الشريفة، وسُمِّي مُخَمسًا لأنه مكون من خمسة جدران وليس له باب، وجعله مخمسًا حتى لا يشبه بالكعبة.
توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ
1- توسعة النبي سنة (7 هـ) بعد عودته من خيبر.
2- توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (17 هـ)، وبنى خارج المسجد رحبة مرتفعة عرفت باسم البطيحاء جعلها لمن أراد رفع صوته بشعر أو كلام أو غيره حفاظًا على حرمة المسجد.
3- توسعة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة (29 هـ).
4- توسعة الوليد بن عبد الملك الأموي (من سنة 88 هـ إلى 91 هـ).
5- توسعة الخليفة المهدي العباسي (من سنة 161 هـ إلى 165 هـ).
6- توسعة الأشرف قايتباي سنة 888 هـ إثر احتراق المسجد النبوي.
7- توسعة السلطان العثماني عبد المجيد (من سنة 1265 هـ إلى 1277 هـ).
8- توسعة الملك عبد العزيز آل سعود (من سنة 1372 هـ إلى 1375 هـ).
9- توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود (من سنة 1406 هـ إلى 1414 هـ).
محيط المسجد
من المعالم الرئيسية التي تحيط بالمسجد النبوي بقيع الغرقد وهي المقبرة الرئيسة لأهل المدينة منذ عهد النبي، وتقع حاليا عند الجدار الغربي للمسجد. ويرقد في البقيع المئات من صحابة النبي.
كما تحيط بالمسجد مبان حكومية ومستشفيات وفنادق فاخرة ومجمعات تسوق وطرق رئيسية.
كما ان النبي محمد أول من أم المصلين في المسجد، وبعد وفاته واصل أصحابه والأجيال التي أتت بعدهم إمامة المصلين.
لم يكن للنبي محمد أي نواب، رغم أنه كان يطلب في بعض الأحيان من أبي بكر الصديق أن يؤم المصلين. ولكن يقال إن النبي دخل المسجد ذات مرة بينما كان أبو بكر يؤم المصلين، فانسحب الأخير وقاد النبي الصلاة.
ولكن أبا بكر أصبح بعد وفاة النبي محمد، أول الخلفاء الراشدين وإمام المدينة. وشهد المسجد النبوي منذ ذلك الحين أعدادا كبيرة من الأئمة والخطباء إلى يومنا هذا.
حاليا يتولى الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي منصب خطيب المسجد النبوي في الوقت الراهن، ولكن الحكومة أعلنت في الحادي عشر من شهر تشرين الأول / أكتوبر، تعيين إمامين آخرين للمسجد هما الشيخ أحمد الحذيفي – ابن الخطيب – والشيخ خالد المهنا.
المؤذنون
كان بلال بن رباح أول مؤذني المسجد النبوي، فبعد أن أخبر عبدالله بن زيد النبي محمد بالحلم الذي رآه عن الأذان، أمره الرسول بتلقين بلال الذي كان صوته أكثر جهورية.
جمالية المكان
دون أي مبالغة، شيّد المسجد بعمارة رائعة وتقنية متقدمة ودقيقة.
فهو صرح شيّد بعمارة جميلة تتقاطع مع التقنيات وفن العمارة والإدارة والكفاءة والدقة داخليا وخارجيا.
فمن مشهده الخارجي إلى باحاته، وإلى سقفه، الذي يزخر بالعديد من الزخارف التي تسلب الألباب، إلى حجمه وسعته وقبابه ومنائره وسقوفه وإضاءته وأجهزة التبريد المزود بها والسجاد الذي يكسو أرضه، لا يمكن للكلمات أن تعطي هذا المسجد حقه.
أبواب المسجد
للمسجد النبوي الآن 41 بوابة حسب ما تظهر خريطة الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وفوق كل من هذه الأبواب عبارة “أدخلوها بسلام آمنين” وهي آية من سورة الحجر. ويقول الشيخ الحطابي إن مجموع عدد الأبواب 85.
لبعض البوابات باب واحد، وأخرى بابان وثلاثة أبواب أو حتى خمسة أبواب، هذا إضافة إلى المصاعد التي يستخدمها الزائرون لبلوغ الطابق الأول وباحة سطح المسجد.